أوصى المشاركون في ندوة، نقاشية حول، قرار رفع سعر الدولار الجمركي وتداعياته على أسعار السلع، والتي نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، بضرورة حل القضايا الخلافية والإشكاليات، التي تتعلق بالشأن الاقتصادي، بالتفاهم والحوار، وانفتاح الحكومة على القطاع الخاص.
كما أوصت الندوة التي نظمها المركز عبر تقنية الاتصال المرئي "الزوم" بضرورة إيجاد شراكة حقيقية بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمشاركة في كافة القرارات التي تتعلق بالجانب الاقتصادي، لما له من أثر كبير على تحقيق الاستقرار في أسعار السلع والخدمات.
وناقشت الندوة، العديد من المحاور الأساسية، من خلال متحدثين رئيسين في الندوة، على صلة بصنع القرار في الحكومة والقطاع الخاص، ومختصون في الوضع الاقتصادي.
وفي افتتاح الندوة التي شارك فيها اكثر من 100مشاركا من الاكاديميين والمختصين في المجال الاقتصادي، تحدث محافظ البنك المركزي الأسبق، محمد زمام، عن تعريف سعر الدولار الجمركي، مشيراُ إلى أنه ليس له أي علاقة برفع تعرفة الجمارك.
وأوضح زمام، أن الدولار الجمركي، هو أحد أدوات السياسة المالية وهو مصطلح اقتصادي تستخدمه وزارة المالية ممثلة بالجمارك، لغرض التقييم الجمركي لتحديد قيمة البضائع المستوردة، وهو وسيلة استثنائية لتسهيل احتساب الرسوم، ويكون مطلوب عندما تكون أسعار الصرف متغيرة بشكل كبير خلال شهر ويكون الفارق أكثر من 15%.
وقال زمام، إن متوسط التعرفة الجمركية في اليمن هي 7%، معتبراً أن الأسعار في اليمن ترتفع بنسبة مئة بالمائة ولا يجوز لها أن ترفع أكثر من سعر التعرفة الأساسية.
واقترح محافظ البنك المركزي الأسبق، تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص، لتوفير المعلومات والبيانات، فيما يتعلق بالقرارات التي تتعلق بالجانب الاقتصادي.
كما اقترح زمام، قيام مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي، بتنظيم ندوة للقطاع الخاص، بحضور الغرف الرئيسية التجارية في البلاد، لتنسيق أعمال القطاع الخاص بعيداً عن الانقسام السياسي والإداري، وكذلك تطبيق آلية مختلفة للدولار الجمركي، مثل قائمة مستوردات يطبق عليها سعر الصرف المحرر، وقائمة يطبق عليها سعر صرف مناسب، والتي لها علاقة في ضرورية حياة الإنسان.
وقال إن القرارات المتعلقة بالشأن الاقتصادي، ليست بالضرورة، مناقشة مدى صوابيه القرار من عدمه، بل يناقش من ناحية توقيت اتخاذ القرار، وشكل وطبيعة البيئة المطلوب تنفيذ القرار فيها، لافتاً إلى أن رفع الدولار الجمركي آلية مؤقتة له ظروف معينة، ولا يعني رفع الجمارك.
من جانبه قال رئيس الغرفة التجارية والصناعية، في عدن، أبو بكر باعبيد، إن ما أثار حفيظة القطاع الخاص، في قرار تحريك سعر الدولار الجمركي، هو عدم نقاشهم ومشاورتهم في الأمر، من قبل الحكومة، وكأنهم غير شركاء في بناء الدولة والتنمية، على حد تعبيره.
وأشار باعبيد، إلى أن القطاع الخاص يقوم بدوره منذ 2015 في الوقت التي لم تكن فيه الحكومة أو المنظمات الدولية متواجدة للعمل في اليمن.
وأكد أن القطاع الخاص لم يعترض على القرار وإنما على التوقيت والتنفيذ، لعدة عوامل، منها أن هذا القرار سيتم تنفيذه في عدن، فقط، ولا تضمن الحكومة تنفيذه في بقية المنافذ، مطالباً بتطبيق العدالة الجمركية، بحيث يتم تحديد سعر محدد في مختلف المنافذ الجمركية، إضافة إلى توريد الموارد الإضافية المترتبة على عملية رفع الدولار الجمركي، إلى البنك المركزي والخزينة العامة للدولة، من مختلف المنافذ الجمركية.
وحذر من انتعاش مجال التهريب جراء إصرار الحكومة على هذا القرار، وبدلا من استفادة الحكومة من 350 مليار ريال سنويا، ستفقدها، بعد أن يلجأ التجار للتهريب، مشيراً إلى أن هذا القرار سيؤثر على رفع كافة أسعار السلع والمواد الأساسية، لأنه يشمل المشتقات النفطية، التي تؤثر على مختلف الأوضاع المعيشية.
وتحدث، خلال الندوة النقاشية، رئيس مصلحة الجمارك، عبدالحكيم القباطي، والذي نفى وجود أي آثار على أسعار السلع والمواد الغذائية، نتيجة قرار الحكومة بتحريك سعر الدولار الجمركي.
وأوضح القباطي، أن مصلحة الجمارك، تعمل ضمن منظومة متكاملة وهي جهة سيادية تتبع، وزارة المالية، وتنفذ تعليمات الحكومة وقرارتها وتعليمات الجهات الحكومية ذات العلاقة.
وتطرق رئيس مصلحة الجمارك إلى إيجابيات قرار الحكومة تحريك سعر الدولار الجمركي، ومنها زيادة حجم الإيرادات التي تحصلها المصلحة بنسبة 100% من 350 مليار ريال خلال العام الجاري، إلى 700 مليار ريال خلال العام القادم.
ولفت إلى أن القرار سيمكن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها المالية دون اللجوء إلى خيارات أخرى، تشكل أعباء على الاقتصاد، مثل طباعة عملة جديدة، كما أنه يُمثل خطوة شجاعة وهي تعطي رسالة للمجتمع الدولي والمانحين، بأنها تقوم بإصلاحات اقتصادية، وتدير مواردها بالشكل الأمثل.
ونفى رئيس مصلحة الجمارك، وجود أي انتقائية، في تطبيق التعرفة الجمركية، مشيراً إلى أنه يتم تطبيق تعرفة موحدة في جميع المنافذ اليمنية، البرية والبحرية.
وأشار إلى أن الوضع عاد إلى طبيعته في جمارك المنقطة الحرة، بعدن بعد أن تكدست الحاويات خلال الأيام الماضية، وأن الوضع مثالي للغاية، ولم يعد هنالك أي إشكاليات، وفق تعبيره.
من جانبه تحدث رجل الأعمال، محمد شهاب، عن تأثير القرار على القطاع الخاص، مشيراً إلى أن الأثر الذي انعكس على المواد التي تستوردها شركة شهاب، تراوح ما بين صفر إلى ثلاثة بالمائة إلى خمسة بالمائة، موضحاً أن هناك مواد من الكماليات سترتفع أكثر من نسبة عشرة بالمائة.
واعتبر شهاب، أن تحريك السعر الجمركي هو عرض لمرض، انهيار قيمة العملة الوطنية، مقابل الدولار وبالتالي، فإن الإشكالية الأساسية هو في السيطرة على سعر الدولار، مطالباً الحكومة بالحفاظ على قيمة العملة الوطنية حتى لا تحدث هذه الأعراض.
وكشف رجل الإعمال محمد شهاب، عن ارتفاع أسعار المواد التي تستوردها شركته، منذ بداية الحرب بنسبة ما بين 300 إلى 400% نتيجة انهيار العملة الوطنية، لافتاً إلى أن قرار تحريك سعر الدولار الجمركي سيؤثر على أسعار شركة شهاب من 3% إلى5%
وأوضح أن الشيء الاخر الذي يشكل نسبة كبيرة من ارتفاع الأسعار، هو تكاليف النقل، سواء النقل الداخلي أو الخارجي من ناحية تعدد النقاط الأمنية والمليشيات، وتعدد الجبايات الجمركية، لافتاً إلى أن هذ الأمر رفع الأسعار أكثر مما رفعه سعر قرار تحريك سعر الدولار الجمركي.
ويرى الخبير الاقتصادي، عبدالسلام الأثوري، أن الإشكالية المتعلقة بتحريك الدولار الجمركي، هي إشكالية تتعلق بالقرار لدى القطاع الخاص، لأنه هناك طرف يرى أن هذا القرار سيؤثر على ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والحكومة ترى أن هذا القرار ضرورة خاصة وأنها طوال السنين الماضية ظلت تعتمد على السحب بالمكشوف، وهذا يمثل مشكلة اقتصادية تنعكس على السلع والمواد الأساسية والقوة الشرائية، على حد قوله.
ولفت إلى أن التعرفة الجمركية لا تشكل مشكلة كبيرة، بالنسبة لطبيعة الوضع الاقتصادي المتردي، لأن نسبة الزيادة التي يشكلها قرار تحريك سعر الدولار الجمركي، ليست بالنسبة الكبيرة، مقارنة بتأثير انهيار أسعار الصرف على السلع والخدمات.
وطالب الأثوري، القطاع الخاص، بالتحرك مع الحكومة وتشجيعها على كيفية توفير السيولة من موارد حقيقية، حتى لا يظل الوضع قائم على السحب والصرف على المكشوف.
وأكد أن معالجة هذه القضايا يحتاج إلى حكمة من القطاع الخاص، وإلى انفتاح من قبل الحكومة للتعامل مع كافة الإشكاليات التي يعاني منها القطاع الخاص، داعياً إلى معالجة المشكلة بالحوار والتفاهم مع القطاع الخاص، بما يضمن تحسين إيرادات الحكومة وتغطية نفقاتها من موارد حقيقية، بدل الاعتماد على الصرف على المكشوف، وإيجاد شركة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص.
وتخللت الندوة العديد من المشاركات، من المهتمين والمراقبين، والتي ركزت، على ضرورة، انفتاح الحكومة، على القطاع الخاص، وحل الإشكاليات العالقة، بالتفاهم والحوار، حرصاً على مصلحة البلد العليا، وعلى الوضع الاقتصادي في البلاد.
كما أوصى المشاركون، جميع الأطراف، بتحمل مسؤوليتهم، تجاه تردي الأوضاع، في البلاد، وتضخم أسعار السلع، وانقسام العملة، واتساع رقعة المجاعة، والعمل على ضرورة وضع حلول سريعة، بشفافية مطلقة، لضمان تفادي وقوع كارثة إنسانية في البلاد.
يذكر أن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي منظمة مجتمع مدني غير ربحية تعمل من أجل التأهيل والتوعية بالقضايا الاقتصادية وتعزيز الشفافية ومشاركة المواطنين في صنع القرار والعمل على إيجاد إعلام مهني ومحترف وتمكين الشباب والنساء اقتصاديا وتعزيز دورهم في بناء السلام.
للاستماع والاطلاع على المزيد من المعلومات من خلال رابط الندوة المسجلة على الفيسبوك عبر الرابط التالي
https://www.facebook.com/economicmedia/videos/898780497662406/