تقرير : فاطمة العنسي
تُشكل أزمة الانقسام النقدي في البلاد، واحدةّ من أخطر الأزمات التي عصفت باليمنيين، وفاقمت من معاناتهم المعيشية، مضيفةً قيود وأعباء كثيرة على التداولات المالية المحلية.
وكواحدة من نتائج الانقسام المصرفي، والتبعات الكارثية لازدواجية القرارات المصرفية، الصادرة من قبل بنكي عدن وصنعاء، توسعت الفجوة في أسعار الصرف بين المحافظات اليمنية، وأصبح فعلياً وجود عملتين مختلفتين، على الواقع، من خلال الطبعة الجديدة، والقديمة من العملة اليمنية.
منعت جماعة الحوثي، عملية تداول الطبعة الجديدة من العملة، في مناطق سيطرتها، معللةّ ذلك بالحفاظ على قيمة العملة من التضخم، متهمةّ الحكومة اليمنية باللجوء إلى طباعة أوراق نقدية جديدة دون غطاء من النقد الأجنبي.
وتعتبر الحكومة اليمنية، أن عملية طباعة العملة، جاء لمواجهة أزمة السيولة من النقد المحلي، وللإيفاء بالتزاماتها المالية، تجاه مؤسسات الدولة، ودفع رواتب الموظفين.
وبحسب الحكومة اليمنية، فإن هذا القرار يأتي أيضا عقب اختفاء النقد الأجنبي في البنك المركزي بصنعاء، والمقدر بخمسة مليار ريال دولار، إضافة إلى ترليون ريال من العملة اليمنية.
وعقب قرار نقل البنك المركزي اليمني، إلى العاصمة المؤقتة عدن، شرعت الحكومة اليمنية، في طباعة أوراق نقدية جديدة، قدرتّ بنحو ترليون و700 مليار ريال، قابلته جماعة الحوثي، بقرارات مضادة ومعاكسة، حيث حظرت بشكل نهائي عملية تداول الطبعة الجديدة في نطاق سيطرتها الأمر الذي أدى إلى تباين أسعار الصرف في المحافظات اليمنية، وعمل بشكل فعلي انقسام اقتصادي، ونقدي، ألقى بظلال قاتمة على مختلف الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
طباعة العملة دون غطاء نقدي
الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي، يرى أن شروع البنك المركزي في عدن، بطباعة أرواق نقدية جديدة وبشكل مختلف، دون إصدار قرار بإلغاء العملة القديمة التالفة، بالإضافة إلى عدم إعطاء المواطنين فرصة لتسليم التالف في البنوك اليمنية، شكّل أحد المسببات في أزمة الانقسام النقدي.
وقال العوبلي في تصريح خاص، إن عملية طباعة عملات نقدية جديدة، دون وجود غطاء من النقد الأجنبي، سبب في أزمة سيولة لموارد النقد الاجنبي للبنك المركزي بعدن، والذي أدى الى تدهور أكثر في الاقتصاد اليمني الذي لم يشهده مسبقا.
وتطرق العوبلي، إلى نهب الحوثيين لخمسة مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، في البنك المركزي بصنعاء، مشيراً إلى أنه تسبب بانهيار الاقتصاد الوطني، وتدني مستوى قيمة الريال اليمني أمام الدولار الذي بات يساوي 930 في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية".
وتسببت القرارات الفردية التي يتخذها كلا من بنك صنعاء وعدن، إلى اتساع فجوة الانهيار، فضلا عن الصراع المستمر بين البنكين الذي أدى الى تدهور الحياة المعيشية وارتفاع قيمة المواد الغذائية بنسبة 200%.
وفي محاولة من بنك صنعاء باستخدام السياسة النقدية كأداة من أدوات الحرب، قررت جماعة الحوثي منع تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتها، بحجة المحافظة على الاقتصاد الوطني من الانهيار وثبات سعر صرف الريال اليمني عند حاجز 600 ريال.
وقال العوبلي، إن الحوثيين اخترعوا قصة الحفاظ على الاقتصاد الوطني، من الانهيار بمنع تداول العملات الجديدة في حين أن هذا الكلام غير صحيح، لان المواطن فقط هو من يتم حرمانه ومنعه من استخدامها، بينما مشرفي الحوثي ونافذي الجماعة، يتعاملون بها ويبادلونها بالعملة القديمة والاستفادة من فارق الصرف في حال المبادلة"، على حد وصفه.
ولفت الباحث في الشأن الاقتصادي، إلى أن الحوثيين استخدموا مبرر آخر لمنع تداول العملة باعتبارها عملة جديدة كعملة لدولة أخرى، وهو ما يراه غير صحيح، مضيفاً، " عندما يتم تبديل مائة ألف جديد بأخرى قديمة ستعود إلينا سبعين ألف ريال، بينما مثلا لو أردنا استبدال سبعين ألف بعملة جديدة لا نحصل سوى على سبعين ألف ريال، وبالتالي كذبة الحفاظ على انهيار الاقتصاد لا يمد للحقيقة بصلة، كون فارق الصرف بين العملتين يذهب إلى جماعة الحوثي المستفيدة الوحيدة من قرار منع التداول في مناطق سيطرتها".
تداعيات حظر العملة الجديدة تسبب في حرمان خمس قطاعات حكومية من رواتبهم، والتي كان بنك عدن، شرع في تسليمها، فضلا عن وجود عملتين مختلفتين في قيمة الصرف، تسببت في ارتفاع رسوم الحوالات النقدية بين المحافظات الى أكثر من 50% مما خلق وضع انساني سيئ، لاسيما في مناطق الحوثيين الذي انقطعت الحوالات الداخلية بنسبة 70% بسبب رسوم الحوالات المرتفعة.
حرب اقتصادية
من جانبه يرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن قرار منع تداول العملات النقدية الجديدة يندرج ضمن الحرب الاقتصادية، بين جماعة الحوثي، والشرعية، وبالتالي المتضرر من ويدفع الثمن هو المواطن، والاقتصاد اليمني، بشكل عام.
وأضاف، القرار الذي اتخذته جماعة الحوثي، بحظر التعامل بالطبعة الجديدة، قرار كارثي، على العملة اليمنية وعلى الاقتصاد، وعلى النشاط التجاري، يساهم في ترسيخ الانقسام الاقتصادي، وبالتالي مزيد من التشظي ومن التدهور واتساع رقعة الفقر والبطالة، وتزايد عدد السكان الذين بحاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية، حسب تعبيره
ونوه الصحفي الاقتصادي، إلى أن الحوثيين هم من يستفيدون بالشراكة مع الصرافين من فارق العمولة المهول للتحويلات الداخلية، وأغلبها تذهب لصالح الجماعة، دون إدراك لحالة المواطن المزرية، والوضع الاقتصادي المتدهور بسبب تداعيات الحرب الاقتصادية وانهيار لسعر العملة الوطنية.
وأضاف " نحن أمام مشكلة تتفاقم بشكل متصاعد مالم تتخذ الجهات المعنية، إجراءات توقف نزيف الانهيار الذي تسبب في إيجاد وضع مأساوي كبير، وبات المواطنين يجلدون بسوط ارتفاع الاسعار يوميا"، على حد تعبيره.
وما بين الطبعتين الاخيرة للعملة النقدية المحلية، والتي أخذت تصميما مختلف، وبين قرار جماعة الحوثي بمنع تداولها في مناطق سيطرتها، بات المواطن يكابد ارتفاع أسعار السلع الاساسية والغذائية في ظل تصاعد مستمر لسعر الدولار، أمام سعر صرف العملة الجديدة في مناطق الحكومة، مترتبة عليه مزيد من التداعيات الكارثية على الاقتصاد الوطني والحياة المعيشية في البلاد.
جدل الطبعة الجديدة
وتصاعد الجدل مؤخرا عقب إعلان البنك المركزي بصنعاء التابع للحوثيين، عن ما وصفها بوجود عملة نقدية جديدة طبعتها الحكومة الشرعية، بنسخة مشابه لطبعة قديمة من فئة 1000 ريال، في العام 2017م.
واتهم البنك المركزي الخاضع للحوثيين في صنعاء، البنك التابع للحكومة الشرعية في عدن، بـ"تزوير" العملة النقدية فئة 1000 ريال، من خلال طباعة نسخة مشابهة لها، وبتاريخ إصدار مماثل للفئة المتداولة بمناطق نفوذ الحوثيين، يعود إلى العام 2017.
وقال بنك صنعاء المركزي التابع للحوثيين، في بيان صحافي، إن البنك المركزي في عدن بدأ، بالضخ من العملة الجديدة التي تشابه فئة 1000 المتداولة بصنعاء، وذلك في مدينتي عدن والمكلا، جنوبي اليمن وشرقه.
وذكر بنك صنعاء أن ورقة الـ1000 ريال المتداولة حاليا في مناطق نفوذ الحوثيين يبدأ رقمها التسلسلي بحرف (أ)، لافتا إلى أن أي عملة مشابهة مدون عليها تاريخ إصدار مشابه ورقمها التسلسلي يبدأ بحرف آخر غير (أ) هي مزورة ويمنع التعامل بها أو حيازتها أو نقلها.
وتمنع جماعة الحوثي، العملات النقدية التي طبعتها الحكومة، وهو ما تسبب بانقسام مالي هو الأكبر من 30 عاما، وتباين في سعر صرف العملات النقدية، وكذلك ارتفاع غير مسبوق في رسوم التحويلات النقدية بين مناطق الحوثيين ومناطق "الشرعية"، باستثناء الفئة التي صدرت في العام 2017 وكانت مشابهة في حجمها للفئات المطبوعة قبيل اندلاع الحرب.
ويأتي اتهام البنك المركزي بصنعاء، للحكومة، في ظل عدم تأكيد أو نفي رسمي للخبر، من قبل البنك المركزي بعدن المعترف به دولياً، وهو ما عمل على حالة إرباك كبيرة لدى القطاع المصرفي.
وفي ظل هذا الانقسام المالي -يرى اقتصاديون – انه لابد من التحرك في إيجاد الحلول، ومعالجة مشكلة انهيار العملة الوطنية، ومن بينها ضرورة إيجاد تقارب وتنسيق في إدارة السياسة النقدية، عبر توفير الكمية الكافية من النقد المحلي والأجنبي، وعمل سياسات تحقق نوعاً من التوازن بين العرض والطلب، إضافة إلى اتخاذ العديد من السياسات التي من المفترض أن تُتبع بسحب كمية النقود من العملة المحلية لتحقيق نوع من التوازن وضبط عملية البيع والشراء في السوق.